تمثل التنمية الشاملة الغاية القصوى لكل مجتمع رائد، فهي طموح وتمن، وهي خطط وتمويل، ولكنها أساسا فعل وإنجاز، قد لا يتوفران دون يد عاملة متكونة وقادرة، ودون مقاولين شجعان واكفاء يتحلون بالجد والاستقامة ويمتثلون للقيم الأخلاقية والوطنية، يثق فيهم الناس ويطمئنون إليهم.
ولتونس مجموعة طيبة من أمثال هؤلاء المقاولين من اجتمعت فيهم هذه الصفات، ازدهروا بعد الاستقلال الذي فتح أمامهم أبواب البروز، ووفر لهم الأسباب لتعاطي الأنشطة الاقتصادية بمختلف أنواعها.
وقد كانت في عهد الاستعمار في أغلبها حكرا على غير التونسيين. ولا ننسى أن أول المعارك التي خاضتها تونس المستقلة كانت تونسة الاقتصاد.
فالعمال من جهة، والمقاولون من جهة ثانية، يشكلون معا العمود الفقري لكل مسيرة تنموية، وهم الضامن الأساسي لتقدمها وازدهارها. ويعد الحاج الهادي بوشماوي أحد كبار المقاولين في تونس.
عرفته منذ الخمسينات مناضلا دستوريا بورقيبيا نشيطا، صاحب مواقف، يتحدى الأخطار، ويساعد المقاومين في المدينة، وفي الجبال، فيقدم لهم المدد والمال، ويأويهم، ويأخذ بيدهم.
لقد ترك بعد الاستقلال النشاط السياسي الميداني، وابتعد عن العمل المباشر ضمن الهياكل الحزبية، ولكنه لم ينقطع عن مساعدة كل التحركات الوطنية ودعمها.
وقد كان بذلك مثالا للمناضل الوطني إبان الاستعمار في معركة التحرير، وبعد الاستقلال، في معركة البناء والتشييد.
لقد سخر حياته للنشاط الاقتصادي الذي بذل فيه كل جهده، وأفنى فيه كل عمره. فقد بدء ينشط في الميدان الاقتصادي منذ الصغر، ولم يتجاوز عمره العشر سنوات سالكا نفس الخطى التي صار عليها أبوه.
وقد انطلق نشاط أول شركة انشأها منذ 1948 وقد تنوعت نشاطاته وشملت تقريبا جميع الميادين فقام بأعمال انشائية بتونس تمثلت في تشييد النزل والمعاهد والمساكن الاقتصادية وامتد نشاطه إلى القطر الليبي فشمل ميدان حفظ المياه والتربة وبناء الطرقات وبناء المدرجات وبناء السدود ومد شبكة الري وإحداث المشاتل واستغلالها وغراسة الأشجار المثمرة وتوفير المراعي وهي نفس الأنشطة التي كان يقوم بها بتونس…
كما تولى بناء خزانات نصف مغمورة وأخرى مرفوعة على الأعمدة …
كما أقام محطات لضخ المياه ووضع مجاري وقنوات المياه الصالحة للشراب ثم اقتحم ميدان أشغال النفط بتونس فمد الأنابيب لنقل البترول الخام والغاز وشيد محطات العد ومحطات تجميع البترول كما شيد محطة بترولية عائمة كانت الأولى في تونس و افريقيا بأيادي تونسيبة. وتولى الحفر والتنقيب عن البترول بتونس ومصر …. وله أنشطة أخرى في الصناعة والتجارة الدولية والخدمات لا يتسع المجال لتعدادها. وكانت النتائج مشجعة وهو اليوم صاحب أول شركة بترولية للتنقيب خاصة في العالم العربي والإفريقي وهي الوحيدة التي ليس فيها للدولة أو للشركات الأجنبية نصيب من رأس مالها.
و قد تعامل المرحوم طيلة مسيرته مع شركات تونسية وإيطالية وفرنسية وأمريكية ….وعاشر مهندسيها وتعلم منهم تقنيات العمل و أخذ منهم صناعتهم فتكونت لديه تجربة ثرية في الميدان ، أهلته للإقدام على محاكاتها فحاكاها فأبدع ولم يقف عند ذلك الحد بل سعى جاهدا إلى نقل تلك التجربة إلى العمال التونسيين والمهندسين إذ لم يتردد في فتح مدارس لهم على حسابه الخاص فكون بذلك جيلا من العمال المختصين والمهندسين في جميع الميادين وقد نجح الحاج الهادي بوشماوي في مسيرته المهنية في ميدان صعب كان فيه سباقا قبل وجود عرب خواص فيه، ويرجع إلى ذكائه الوقاد ، وجرأته الواعية ، وتفانيه في العمل.
كان يحسن معاملة عماله ويقدم لهم أحسن الأجور، ويوفر لهم كل الضمانات الاجتماعية، يوفر لهم في حظائر العمل الإقامة الطيبة والأكلة الشهية، وكانت حسابات شركته شفافة لا يسعى إلى التهرب من الجباية، ولا يتحايل مع الأداءات.
هكذا كان سلوكه حيثما اشتغل: في تونس أو في ليبيا أو في مصر.
وقد أعطى بذلك لتونس صورة حسنة وأبقى فيها أثرا طيبا.
وقد كان يتبع منهجية صارمة مع نفسه ومع محيطه في عمله، ونظاما محكما. وكان يؤكد دوما أنه لا نجاح في أي عمل دون إتباع إجراءات منهجية ثابتة.
أصبح من كبار المقاولين الذين حققوا أرباحا كبيرة، ولكنه بقي متقشفا في حياته، متواضعا في سلوكه لا يتكبر على الناس، ولا يحب التظاهر والفخفخة، يكره الإسراف والتبذير، ولا يميل إلى الترف.
ولم يغير شيئا من العادات التي ورثها عن أهله في » بوشمة » مسقط رأسه في قابس في الأكل والجلوس واللباس.
كان رجل خير ينبذ التظاهر ويتوخى الصمت. يعين الفقير، ويأخذ بيد المحتاج. وكان رجلا تقيا لا يتخلف عن أداء واجباته الدينية ، يساهم في بناء المساجد. ومن آثاره توسعة مقام سيدي بولبابة وجامع وزاوية بوشمة على سبيل الذكر لا الحصر. كان ينفق على أعماله الخيرية وعلى بناء المعالم الدينية من أمواله الشخصية، ولا يلجأ إلى ميزانية الشركات التي كان يديرها مع أنه صاحبها وفي ذلك ثواب أكثر.
تربى أبناؤه وبناته، على هذه الأخلاق، وعلى هذا السلوك فأخذوا عنه. فهو مثالهم الأعلى وكبيرهم، مقامه منهم مقام الأب الحنون المسؤول.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه في فراديس الجنان.
تونس مارس 2009
Organisme caritatif matérialisant l’engagement social et sociétal du groupe HBG.
منظمة خيرية تجسد الالتزام الاجتماعي والمجتمعي لمجموعة هادي بوشماوي