المولد ، النشأة
ولد « هادي بن أحمد بوشماوي » يوم 20 جانفي 1932، بقرية بوشمة الواقعة في المدخل الشمالي لمدينة قابس وهي في تلك الحقبة تجمع سكاني بسيط يعيش معظم مُتساكنيه على الزراعة والأعمال اليدوية البسيطة، في عائلة محافظة، ملتزمة بالأصالة والقيم المجتمعية، تتكون إلى جانب الوالدين من ثلاثة أخوة وأختين اثنين. كان الوالد أحمد يعمل في المقاطع والمحاجر التي تُوفر مستلزمات البناء من حجارة ورمل. وشاء القدر أن يتوفى الوالد سنة 1942 تاركا أبناء تيتموا وهم قصر، لم يخبروا تجارب الحياة وليس لهم أية موارد أخرى، فوجد ابنه البكر « هادي » نفسه وهو في سن 11 مرغما على أخذ المشعل وتحمل المسؤولية، حفاضا على العائلة وحماية لها، فغادر مكرها مقاعد الدراسة ليخطو أولى خطواته في مجال العمل وهو غض صغير السن ليبدأ مسيرة الصعود الى القمة.
بداية الملحمة: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة
في مطلع خمسينات القرن الماضي، كون الهادي بمعية أخويه شركة مقاولات الإخوة بوشماوي « Enterprise Hédi Bouchamaoui & Frères » والتي بدأ نشاطها بتنفيذ مشاريع إنشائية مدنية بمدينة قابس تمثلت أساسا في إقامة السدود وشق ومد الطرقات الى جانب مشاريع أهلية أخرى، ثم ما لبث أن تطورت أنشطتها وتوسعت، مع بداية الستينات حيث قامت بإنجاز عدة مشاريع بقابس، لعل من أهمها:
– المعهد المختلط ومعهد « سيدي مرزوق » و نزل الواحة والمركز القطاعي الفني التونسي السويسري و ديوان الصناعات التقليدية…
ثم توسع نشاط الشركة ليشمل مناطق أخرى، نذكر منها على سبيل الذكر:
-نزل الواحة بتوزر والمعهد الثانوي وتهيئة وادي « بياش » بقفصة……..
التميز والابتكار
ان النجاح يتطلب قدرا من الذكاء مع جرعة من الشجاعة وقوة شخصية ونهم للمعرفة، وهذه الخصال جميعها تتوفر لدى المرحوم هادي، الشاب العصامي الذي لم يكتف بما أنجزه من مشاريع إنشائية تعتبر رائدة لشاب في مقتبل العمر، بل تعلقت همته بمزيد من التميز والتحدي وهو المفعم بروح المغامرة، فقرر أن يلج مجالا أكثر تعقيدا فنيا وإداريا ألا وهو مجال الخدمات المرتبطة بالتنقيب الذي كان حكرا على الشركات الأجنبية.
ففي مطلع الستينيات، بادر كمسير ومسئول عن الشركة بتنفيذ حزمة مشاريع الخدمات لحقل التنقيب عن النفط « البرمة » الواقع في الصحراء التونسية، والتي تشمل مد الأنابيب وتشييد محطات العد وتجميع النفط.
وقد نجح نجاحا باهرا مكنه من اكتساب خبرات جمة وزادته مزيدا من الإلمام بهذا المجال، الأمر الذي سيساعده لاحقا على ولوج ميدان التنقيب.
ان القائد الناجح لا يسمح للفرص الجيدة أن تعبر دون أن يتلقف ما يفيد منها بأساليب مبتكرة، وهذا ما حدا بالمرحوم هادي بوشماوي للبحث عن التوسعة الجغرافية لأنشطة الشركة، ليمتد نشاطها إلى القطر الليبي وليشمل بناء السدود والسواتر الترابية للحفاظ على المياه وإحداث المشاتل وغراسة الأشجار وتوفير المراعي …كل هذه الأنشطة وفرت ما يفوق 8000 موطن عمل لشباب تونسيين مكنتهم من اكتساب مهارات فنية وقدرات معرفية بالغة الفائدة لهم ولوطنهم.
الريادة والتفرد
كان المرحوم هادي بوشماوي يؤمن إيمانا راسخا بأن النجاح يقتضي التفرد عن السائد، وأن الريادة تستلزم الابتكار وأن الشجاعة واجبة حيث يجب أحيانا قبول المخاطرة وعدم الرهبة منها. فبادر سنة 1984 بمعية أخويه المرحوم عبد المجيد ورشيد ببعث شركة « بوشماوي للأنشطة البترولية » BAP وذلك بإنجاز أحد أضخم المشاريع المرتبطة بقطاع الطاقة، ألا وهو تشييد أول محطة عائمة بأيد عاملة وإطارات تونسية، لم يسبقه فيه أي مستثمر أخر في تونس والعالم العربي وإفريقيا. هذا الانجاز شكل نقلة نوعية له ولجميع العاملين معه وللجهة ولتونس عموما.
وفي سنة 1993 أنشأ « شركة هادي بوشماوي وأبناؤه للبترول » HBS، التي تحصلت على أول رخصة للتنقيب عن النفط تسند لمستثمر خاص في تونس وشمال إفريقيا، حيث قامت بعمليات تنقيب في منطقة » البرمة » في الصحراء التونسية وفي ولاية مدنين.
هذه المشاريع الاستراتيجية والرائدة، مكنت جميع العاملين من اكتساب الخبرات والمتطلبات الفنية اللازمة لإنجاحها، خاصة من خلال التعامل مع أكبر وأعرق الشركات العالمية.
ولم يتوقف طموح ولا عزيمة المرحوم هادي بوشماوي عند هذا الحد، إذ أنشأ سنة 1997 شركة تنقيب عن النفط في جمهورية مصر « شركة هادي بوشماوي وأبناؤه الدولية » International HBS ، وبادر بأشغال تنقيب في الصحراء الغربية، وكانت النتائج مشجعة جدا.
مآثر ومناقب الرجل
كان المرحوم هادي بوشماوي، بشهادة كل من عرفه، شخصية فذة، مفعمة بملكات النبوغ والعبقرية. كان بسيطا في معاشه، وطنيا، قويا في إدارته، صادقا مع نفسه وغيره، شجاعا لا يهاب مقارعة المخاطر، يحب الخير لغيره. وقد تجلت هذه المناقب في العديد من مآثره(من ماله الخاص) التي بقيت بعده والتي نذكر منها:
• كان أول من قام بتعليم النقش على الحجارة للشباب بولاية قابس في مطلع الستينات.
• قام بتعليم شباب الجهة اللحام الفني طبقا للمواصفات العالمية.
• تهيئة وتوسعة وتجديد عدة مساجد وجوامع
• تقديم مساعدات نقدية وعينية للعائلات المعوزة
• تقديم مساعدات نقدية وعينية للمدارس والمعاهد والمكتبات
• مساعدة باعثي مشاريع في إقامة مشاريعهم…..
هذا فيض من غيض فمآثر الرجل لا تحصى، اذ كان لا يعلن دوما عما يبادر به.
تواصل الملحمة
يوم 21 فيفري 2009 رحل المرحوم هادي بوشماوي، تاركا وراءه إرثا عظيما من المناقب والانجازات، وكان رحيله خسارة للوطن، بيد أن الملحمة التي أنجزها لم تتوقف يوما ولم تهن، فقد ترك من بعده أبناؤه وبناته وهم: خالد، وداد، أمال، طارق، رجاء، منى وزياد والذين أخذوا المشعل بكل اقتدار، وواصلو المسيرة التي بدأها والدهم بكل أمانة ومسؤولية، فكانوا خير خلف لخير سلف. واليوم قد تطورت أعمال مجمع الشركات الذي أنشئوه والذي يحمل اسم والدهم (مجمع هادي بوشماوي HBG – Hédi Bouchamaoui Groupe) حيث نجحوا في القطاعات التي استثمروا فيها كالبترول والخدمات وقطاع السيارات والتأمين والعقارات والفلاحة والتوزيع والميدان المالي …
كما خلدوا اسم والدهم بإنشاء » مؤسسة هادي بوشماوي الخيرية »Fondation Hédi Bouchamaoui وهي من مؤسسات المجتمع المدني الرائدة والتي ساهمت بتقديم إعانات هامة وكبيرة خاصة لقطاع التعليم والصحة والثقافة.
رحم الله هادي بوشماوي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وكان في عون أبنائه لمواصلة الملحمة…
Organisme caritatif matérialisant l’engagement social et sociétal du groupe HBG.
منظمة خيرية تجسد الالتزام الاجتماعي والمجتمعي لمجموعة هادي بوشماوي